سورة طه - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} محل من رفع على البدل من {الشفاعة} بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن للشافع في الشفاعة {وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً} أي رضي قولاً لأجله بأن يكون المشفوع له مسلماً أو نصب على أنه مفعول {تَنفَعُ} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي يعلم ما تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} أي بما أحاط به علم الله فيرجع الضمير إلى (ما) أو يرجع الضمير إلى الله لأنه تعالى ليس بمحاط به {وَعَنَتِ} خضعت وذلت ومنه قيل للأسير: عانٍ {الوجوه} أي أصحابها {لِلْحَىّ} الذي لا يموت وكل حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن {القيوم} الدائم القائم على كل نفس بما كسبت أو القائم بتدبير الخلق {وَقَدْ خَابَ} يئس من رحمة الله {مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} من حمل إلى موقف القيامة شركاً لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ولا ظلم أشد من جعل المخلوق شريك من خلقه {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} الصالحات الطاعات {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مصدق بما جاء به محمد عليه السلام، وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة وأن الإيمان شرط قبولها {فَلاَ يَخَافُ} أي فهو لا يخاف {فَلاَ يخف} على النهي: مكي {ظُلْماً} أن يزداد في سيئاته {وَلاَ هَضْماً} ولا ينقص من حسناته وأصل الهضم النقص والكسر.


{وكذلك} عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الإنزال {أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا} بلسان العرب {وَصَرَّفْنَا} كررنا {فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يجتنبون الشرك {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ} الوعيد أو القرآن {ذِكْراً} عظة أو شرفاً بإيمانهم به وقيل (أو) بمعنى الواو.
{فتعالى الله} ارتفع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام وتنزه عن مضاهاة الأنام ومشابهة الأجسام {الملك} الذي يحتاج إليه الملوك {الحق} المحق في الألوهية. ولما ذكر القرآن وإنزاله قال استطراداً: وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأن عليك ريثما يسمعك ويفهمك {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان} بقراءته {مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً} بالقرآن ومعانيه. وقيل: ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم.
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى ءادَمَ} أي أوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة. يقال في أوامر الملوك ووصاياهم تقدم الملك إلى فلان وأوصى إليه وعزم عليه وعهد إليه، فعطف قصة آدم على {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد} والمعنى وأقسم قسماً لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة {مِن قَبْلُ} من قبل وجودهم فخالف إلى ما نهي عنه كما أنهم يخالفون يعني أن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه {فَنَسِىَ} العهد أي النهي والأنبياء عليهم السلام يؤاخذون بالنسيان الذي لو تكلفوا لحفظوه {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} قصداً إلى الخلاف لأمره أو لم يكن آدم من أولي العزم. والوجود بمعنى العلم ومفعولاه {لَهُ عَزْماً} أو بمعنى نقيض العدم أي وعد منا له عزما و{لَهُ} متعلق ب {نَجِدْ} {وَإِذْ قُلْنَا} منصوب ب (اذكر) {للملائكة اسجدوا لآِدَمَ} قيل: هو السجود اللغوي الذي هو الخضوع والتذلل أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبليس كان ملكاً من جنس المستثنى منهم. وقال الحسن: الملائكة لباب الخليقة من الأرواح ولا يتناسلون وإبليس من نار السموم. وإنما صح استثناؤه منهم لأنه كان يصحبهم ويعبد الله معهم {أبى} جملة مستأنفة كأنه جواب لمن قال لم لم يسجد، والوجه أن لا يقدر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله {فَسَجَدُواْ} وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقف.


{فَقُلْنَا يائادم أن هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} حيث لم يسجد لك ولم ير فضلك {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة} فلا يكونن سبباً لإخراجكما {فتشقى} فتتعب في طلب القوت ولم يقل (فتشقيا) مراعاة لرؤوس الآي، أو دخلت تبعاً، أو لأن الرجل هو الكافل لنفقة المرأة. وروي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا} في الجنة {وَلاَ تعرى} عن الملابس لأنها معدة أبداً فيها {وَأَنَّكَ} بالكسر: نافع وأبو بكر عطفاً على (إن) الأولى، وغيرهما بالفتح عطفاً على {أَلاَّ تَجُوعَ} ومحله نصب ب (أن) وجاز للفصل كما تقول (إن في علمي أنك جالس) {لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا} لا تعطش لوجود الأشربة فيها {وَلاَ تضحى} لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس فأهلها في ظل ممدود.
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} أي أنهى إليه الوسوسة كأسر إليه {قَالَ يَاءادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأن من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} لا يفنى {فَأَكَلاَ} أي آدم وحواء {مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا} عوراتهما {سَوْءتُهُمَا} {وَطَفِقَا} طفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو كـ (كاد) في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً إلا أنه للشروع في أول الأمر وكاد للدنو منه {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} أي يلزقان الورق بسواتهما للتستر وهو ورق التين {وعصى ءادَمُ رَبَّهُ فغوى} ضل عن الرأي. وعن ابن عيسى خاب، والحاصل أن العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي، وقد يكون عمداً فيكون ذنباً وقد لا يكون عمداً فيكون زلة. ولما وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشداً فكان غياً، لأن الغي خلاف الرشد. وفي التصريح بقوله {وعصى ءادَمُ رَبَّهُ فغوى} والعدول عن قوله و(زل آدم) مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلفين كأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله زلته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلاً عن الكبائر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7